class='ads'>
السبت، مايو 2

الجزء الثاني من "مشروع رؤية جديدة لتدريس وحدة التربية الإسلامية"



مشروع رؤية جديدة لتدريس وحدة التربية الإسلامية


 الأستاذ عبد الرزاق المساوي

الجزء الثاني

2* طرق التدريس:

أ*التدريس بالمنهج الموضوعاتي (thématique)

نقصد من التدريس بالمنهج الموضوعاتي التركيز والاعتماد والانطلاق في تدريس المادة على قضية معينة أو موضوع محدد يتخذ محورا مركزيا للدراسة خلال سنوات التعليم الأساسي بشكل متسلسل ومتكامل.. وقد اختيرت القصة القرآنية بصفة عامة موضوعا لبرنامج مادة القرآن الكريم في أسلاك التعليم الأساسي لارتباطها الشديد بالطفل ولما تؤديه القصة عموما، والقرآنية على الخصوص في المجال التربوي من وظائف سامية ولما تحققه من الغايات التعليمية المنشودة.. ولما تحمله من أمور وقضايا وأفكار ونظرات وتأملات ومسارات حياتية ومواعظ وعبر تحرك مجموعة من القدرات المبثوثة بالفطرة والسليقة في المتعلم المستهدف.. وتفّعل فيه كثيرا من المهارات المكتسبة من تفاعله مع واقعه القريب والبعيد, ثم تصريفها إيجابيا بعد تصحيح مسارها، وليبلغ المتعلم في آخر المطاف مجموعة من الكفايات التي يؤمل أن تتوفر في طفل التعليم الأساسي ببلادنا...

هذا الاختيار يكفل لنا وحدة الموضوع المدروس، كما يكفل لنا وحدة التفكير عند المتعلم، وحتى لا يتيه وسط مجموعة من المواضيع المختلفة والمتنوعة التي تزخر بها السور القرآنية المقررة سابقا، والتي تعتبر فوق مستواه وقد تسبب له ربكة لا تحمد عقباها، فهذا الاختيار أمر ضروري ومؤكد بالنسبة لعمر متعلمينا ومستواهم الفكري والعقلي والوجداني وحتى الروحي, ولتحقيق مجموعة من الأهداف وترسيخ كفايات عديدة بأشكال مختلفة وفي بنيات متعددة وبأوجه مغايرة وبأساليب شيقة وعروض رائقة ولغة سلسة وموضوعات في متناول الأطفال فهما وإدراكا...
ثم إن الطفل ميال بطبعه إلى القصة، يلذ الاستماع إليها ويشوقه أن يقرأها أو أن يشهد أحداثها تمثل أمامه، لأن في القصة حركية وحياة وحيوية تثير انتباهه، وتجدد نشاطه، وتوقظ وجدانه، وتحرك أحاسيسه، وتطور مداركه، وتبني رؤيته لنفسه وللآخر، كما توطد علاقاته بشكل إيجابي مع محيطه، ومما يساعد على تحقيق هذا كله هو أن "للقصة اتجاها مرسوما يأنس به الطفل ويجد لذة ومتعة في تتبعه وفهم أطواره" (الموجه الفني:371)..

لقد أثبتت بعض التجارب المتواضعة التي قمنا بها داخل الأقسام في بعض المدارس الخصوصية ومع جل المستويات، أن الطفل يميل بطبعه إلى ما هو قصصي في شكله ومضمونه، كما ثبت- بعد المقارنة – أن ميله للقصص القرآني كان أشد وأقوى، وأن تفاعله معه كان أوكد إلى درجة أن أغلب الأطفال الذين كانوا تحت الملاحظة ودوا لو سادت القصة القرآنية أكثر أو كل المواد التي تدرس لهم في مرحلتهم.. وبالفعل استفدنا من هذا الطلب الذي عبر عنه بعض الآباء، وهذه الرغبة التي تجلت عند المتعلمين، حين اعتبرنا القصة القرآنية في دروسنا من خير الوسائل لاستنباط القواعد من أمثلتها القرآنية، ولتدريب المتعلمين على التعبير الراقي الفصيح الذي أغنتهم به الطبيعة اللغوية والأسلوبية والبلاغية للقصة القرآنية مع لفت الأنظار والانتباه إلى التأثير في السلوك والمعاملات.. إذن فالقصة تؤدي في المجال التربوي وظيفة سامية، وتحقق كثيرا من الغايات التعليمية المنشودة (الموجه الفني : 371).. والطفل أقوى خلق الله استجابة لها وشغفا بها وإقبالا عليها وتطلبا للمزيد منها بعد المزيد..(القصة في الأدب العربي 65)

فهي معلم جذاب محبوب يأخذ عنه الأطفال كثيرا من ضروب الثقافة والمعرفة، ويكسبون منه خبرات حيوية طريفة.. وهي من خير العوامل لتشويق الأطفال إلى التعليم، وتحبيب المدرسة إليهم..

والقصة – مسموعة أو مقروءة – تحمل الطفل على اليقظة والانتباه، وفي هذا رياضة له على الصبر، وحصر الذهن، وضبط الفكر، وكل ذلك ضروري لتحصيل المعارف في حياته الدراسية..

والقصة تنمي خيال التلميذ، وتهذب وجدانه، وترهف حسه، وهي – كذلك – من العوامل المساعدة على تقوية الحافظة، وشحذ الذاكرة، فالطفل يختزن في ذهنه من القصص وأشخاصها وحوادثها أكثر مما يختزن من الأحاديث العادية..

وللقصة آثار خلقية وسلوكية ينتفع بها التلميذ، وينطبع عليها دون إحراج أو إعنات، لأنه يفهم المغزى بطريق الإيحاء والتأثير الذاتي، لا بطريق النصح السافر، أو التوجيه المباشر، أو غير ذلك مما تأباه طبيعة النفس البشرية..

والقصة من أنجع الوسائل لتعليم اللغة، فهي تزود التلميذ بالأفكار والمفردات والأساليب، وتعوده حسن الاستماع، ودقة الفهم، وتأخذه أحيانا بحسن الأداء وتصوير المعاني، وهي – كذلك– من العوامل الناجحة في دفع التلميذ إلى القراءة والاطلاع. (الموجه الفني : 372)

ولهذا كله ولغيره تم اختيار القصة القرآنية وعندما نقول القصة، فإنا نقصد من ورائها كل ما جاء في القرآن الكريم بأسلوب قصصي وحكائي، سواء كان قصص الحيوانات أو قصة الكون والوجود أو أشياء أخرى، أو قصص الأنبياء وهذه تمثل القمة في تشخيص الحياة، لذا وجب الاهتمام بها أكثر ف"المطلوب من التربية أن تدرس قصص وسير الأنبياء كنموذج يحتذى به في إعداد المربين والمناهج المنشودة." (كما يقول : David E. Purple.في كتابه: The Moral and Spiritual Crissi in Education نقلا عن كتاب مناهج التربية الإسلامية الجزء الثالث.. ص:58 )

توزيع البرنامج حسب المنهج الموضوعاتي:

ولهذا وزعنا برنامج مادة القرآن الكريم على مستويات التعليم الأساسي انطلاقا من المنهج الموضوعاتي على الشكل التالي:

من مستويي الروض (السنوات:4/5 و5/6) إلى المستويين الأول والثاني أساسي (السنوات:6/ 7 و7/8) نجد مجموعة من النصوص القرآنية التي تصور قصص مجموعة من الحيوانات الأليفة والمتوحشة،
والحشرات النافعة والضارة..

وهو اختيار يحقق مبادئ وأسس التربية الإسلامية والمتعة التعليمية، والاستفادة العقلية، وتساعد على فتق خيال الطفل ومداركه الإبداعية وتوسيع آفاقه الوجدانية..

أما المستوى الثالث أساسي (السنوات : 8/9) فنجد مجموعة من النصوص القرآنية التي تسرد علينا قصص الأصحاب، كصاحب الحوت، وأصحاب الجنة، وصاحب موسى عليه السلام، وصاحب الجنتين، وأصحاب الكهف.. هذه وقصص أخرى تهم موضوع الصحبة نجدها مبثوثة بين ثنايا الآيات البينات في القرآن الكريم..

وبين المستويين الرابع والخامس أساسي (السنوات : 9/10 و 10/11) تتوزع مجموعة من نصوص القرآن العظيم التي ترسم لنا المسيرة التاريخية لأفضل الناس، وأزكاهم من خلال قصص الكوكبة المختارة من الأنبياء والرسل عليهم السلام، من لدن سيدنا آدم عليه السلام إلى سيدنا عيسى عليه السلام..  مروراً بمجموع أنبياء الله ورسله المذكورين في القرآن موزعة قصصهم بين المستويين معا..

ويأتي المستوى السادس أساسي (السنوات : 11/12) لنجد الآيات الكريمات التي تشخص لنا قصة وسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم تلك السيرة العطرة التي يمتاح منها المسلم منذ نعومة أظفاره..

وأما ما جاء بعد المستوى السادس أساسي من مرحلة الإعدادي التي تتوزع بين ثلاثة مستويات (السابع والثامن والتاسع) مجموعة من النصوص القرآنية التي تصور لنا قصة الخلق والوجود والكون والمصير رابطة ذلك بوجود الإنسان وحياته ومآله..

ب*التدريس بالمنهج الإقرائي:

وهو الاعتماد على القراءة أكثر والتعامل مع نصوص متنوعة وغنية، بجميع أشكالها وأنواعها وتجلياتها بحيث يجد المتلقي نفسه أمام ركام قرائي متنوع، وذلك عن طريق وضع وتيسير نصوص قرآنية، وتفسيرية، وحديثية، واستثمارية، واطلاعية (إن صحت هذه التسمية).. أو صويرات أو علامات قرائية.. مما يجعل أو يدفع المتعلم لقراءة المادة المدروسة والاطلاع عليها بشكل مباشر ثم مناقشها والتعامل معها بشكل تفاعلي يخوله المزيد من اكتساب الكفايات المطلوبة في الدرسين :الديني/التربية الإسلامية، والقرائي/اللغوي على السواء..

إن هذه النصوص المنتقاة التي تصور لنا القصص القرآني، تجعل المتعلم يقرأها بفكره، وينشدّ إليها خاطره, وتميل إليها نفسه، ويناقشها عقله، ويتمثلها سلوكه.. خلافا لما ألفناه في الطرق العتيقة التي تتمسك بكون المعلم هو المصدر الوحيد والأوحد للمعرفة وتجعل المتعلم مجرد مستقبل ليس إلا.. دون خلق أي نوع من التواصل والحوار المؤديين إلى الإبداع... لذلك أردنا أن تصبح التربية الإسلامية درسا قرائيا حاملا لمعلومات إسلامية تحقق أهدافها وزيادة، في حياة الأفراد والجماعات في ضوء علاقاتهم بالخالق والكون والممارسات والحياة والآخرة (مناهج التربية الإسلامية ص:77) كما سيتمكن المتعلمون من تحقيق أغلب أغراض وأهداف القراءة، انطلاقا مما يتمتعون به من احترام وتوقير وتقدير للنص القرآني والنصوص المرتبطة به، هذا التقديس سيدفعهم إلى إجادة النطق وتحسين الأداء وتمثل المعاني كما سيكسبهم الكفايات القرائية المطلوبة في أسرع وقت، مثل السرعة والاستقلالية وتنمية حصيلتهم من الأرصدة اللغوية والتراكيب الجديدة، وسيساهم أيضا في دفع المتعلم إلى التعبير الصحيح عن معاني المقروء، وعن كل ما يجول بخاطره ويتبادر إلى ذهنه بلغة عربية فصيحة/قرآنية، وقبل هذا كله فإنه سيربي فيه الميل إلى القراءة وحبها والشغف بها، انطلاقا من منطوق أول نص قرآني أنزل على الرسول r والذي هو نفسه عبارة عن قصة شائقة ومثيرة: "اقرأ باسم ربك الذي خلق..." وفوق هذا وذاك فإن الدرس القرآني سيؤدي رسالته النفسية والاجتماعية بشكل موفق بإذن الله تعالى في التأثير على الفرد وفي التأثير على المجتمع أيضا..

وأخيرا، فإنه يجب أن تتضافر الجهود كي تكون كل المواد المقررة عبارة عن نصوص أو لوحات وصويرات قرائية بكل ما تحمل الكلمة من معاني وما توحي به من دلالات، وفي جميع تجلياتها، فليست القراءة مجرد نصوص لغوية بل هي أوسع من ذلك بكثير، إذ تتمظهر في أشكال عديدة ومتنوعة ويمارس عليها فعل القراءة بالحواس جميعها، فحتى إلقاء نظرة معينة من طرف متعلم على رسم أو صورة أو مجسم أو رمز أو شكل، وربط الصلة بين هذه النظرة وبين أجهزة الاستقبال والتفكيك والربط في الدماغ، هذا نفسه يعتبر في تقديرنا نوعا من القراءة التي يمارسها الإنسان كيفما كانت وضعيته..

هذا هو المفهوم الذي نقصده من المنهج الإقرائي فنحن نتعامل مع مستويات التعليم الأساسي من أسلاكه الصغرى إلى أسلاكه الكبرى، ومن هذا المنطلق نشجع على تبني المنهج الإقرائي المتعدد الوسائل ولو فقط:

*
لأن القراءة-على المستوى الفردي- هي أساس ولب وعمق كل عملية تعليمية/تعلمية، ومفتاح لأسرار كثير من المواد الدراسية الأخرى.. والثابت بالتجربة والعلم والفحص أن ضعف المتمدرس في القراءة أساس لإخفاقه في المواد الأخرى بل ولإخفاقه في علاقاته مع نفسه ومع المجتمع، بل وإخفاقه في الحياة نفسها.(انظر الموجه الفني ص:58 ). " فالعزوف عن القراءة وعدم إتقانها أو عدم القدرة عليها، له آثار سلبية لا حصر لها، مرتبطة بالدماغ كعضو والعقل كفاعلية، حيث يصعب التمييز بينهما على مستوى فعل القراءة..."( ديتاكتيك تدريس القراءة ص:5 )

* ولأن القراءة –في المجتمع- أشبه بأسلاك كهربائية تنتظم بناءه وتحمل التيار الذي يمده بالنور, ومثل العاجزين عن القراءة كمثل بقعة ليست مستعدة لتلقي هذا التيار الكهربائي لأنها لا تملك هذه الأسلاك.. (ص59 الموجه الفني)

* ولأن القراءة عملية دائمة ومستمرة وغير منقطعة، فهي عملية العمر إذا شئنا القول، وبهذا تمتاز عن سائر المواد الدراسية، ولعلها أعظم ما للإنسان من مهارات.. "والعالم اليوم عالم قراءة واطلاع.." (الموجه الفني ص:58)

ولنا موعد آخر مع البقية بإذن الله تعالى


ج*التدريس بالوحدات 

0 تعاليق:

إرسال تعليق