class='ads'>
الثلاثاء، مايو 19

سؤال: "كيف يمكن للمسلم ان يتخلص من الجزع والغضب ؟؟"

    "كيف يمكن للمسلم ان يتخلص من الجزع والغضب ؟؟"

الدكتور عبد الرزاق المساوي

إن الجزع هو الإحساس بالقلق والاضطراب وضيق في النفس وقلة الصبر ويبقى هذا الأمر يتفاعل على المستوى الداخلي/النفسي.. أما الغضب فهو الاستجابة لهذا الجزع وترجمته إلى انفعال نفسي يؤثر على الجهاز العصبي فيظهر على شكل مظاهر خارجية تتجلى في الميل إلى الاعتداء أو إرادة الانتقام.. وربما يمكن اعتبار هذا المرض هو مرض العصر.. ولا أظن أن واحدا من الناس استطاع التخلص منه –ألا ما رحم ربي- نظرا لطبيعة الأوضاع النفسية والأسرية والاجتماعية والعالمية القابعة على صدر الإنسان المعاصر بضغوطاتها وأزماتها.. وإنها لتؤدي إلى أضرار كثيرة ومصائب عديدة على المستويات النفسية والعضوية والعائلية والعلائقية.. ونظرا لما لهذا السلوك من آثار سلبية وخيمة على الفرد والمجتمع اهتم به ديننا الحنف أيما اهتمام إلى درجة أنه جعل دخول الجنة رهنا بترك هذا الخلق السيء كما ورد عند الطبراني من حديث أبي الدرداء قال : قلت : يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة، قال : لا تغضب ولك الجنة. حديث صحيح/الجامع الصحيح الألباني..

ونهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن الغضب ليس عنه كحالة نفسية تنتاب الإنسان لأنها من طبيعته أي أن الغضب من طباع البشر ولا يمكن دفعه والتخلص منه ولكن يمكن ترويضه والحد من سرعة ظهوره لذلك فإن نهيه صلى الله عليه وسلم يركز بالأساس على الغضب كسلوك ظاهري يخرج من الكامن إلى البارز، يتجاوز النفسي إلى الاجتماعي يخرج من قمقم الذات إلى واقع الحياة.. لهذا يقول صلى الله عليه وسلم: " إياكم والغضب فإنه جمرة تتوقد في فؤاد ابن آدم ، ألم تر إلى أحدكم إذا غضب كيف تحمر عيناه وتنتفخ أوداجه.." المصنف لابن أبي شيبة والبغدادي..وعن ابن عباس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(علِّموا ويسروا ولا تعسروا، وإذا غضبت فاسكت، وإذا غضبت فاسكت وإذا غضبت فاسكت)رواه الإمام أحمد.

وكي لا يطول بنا المقام نعود إلى السؤال:


"كيف يمكن للمسلم ان يتخلص من الجزع والغضب ؟؟"

هناك بعض الإجراءات النبوية التي يمكن أن تنفع المسلم -إذا وجدت منه همة واهتماما- إذا ما جزع أو غضب منها:

أولا: أن يبعد نفسه عن كل مثير للأعصاب، أي أن يحول بينها وبين ما يجعلها تغضب وهذا من باب "الوقاية خير من العلاج" ولذلك نجد في الحديث السابق تنبيه بقوله صلى الله عليه وسلم بـ "إياكم والغضب.." فالتعبير "بإياكم و.." يدل على الأمر بالابتعاد عن الشيء قبل وقوعه، بالابتعاد عن مؤشراته وما يفضي إليه.. وإذا التزم المسلم حسن الخلق التزام العض بالنواجد إيمانا منه بأن في حسن الخلق هو الخير كله، كما أن في الغضب الشر كله.. جاء من حديث أبي العلاء بن الشخير أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم من قبل وجهه ، فقال : يا رسول الله أي العمل أفضل ؟ فقال : " حسن الخلق " ثم أتاه عن يمينه ، فقال : يا رسول الله أي العمل أفضل فقال : " حسن الخلق " ، ثم أتاه عن شماله فقال : يا رسول الله ، أي العمل أفضل ؟ قال : حسن الخلق ثم أتاه من بعده، يعني: من خلفه، فقال: يا رسول الله أي العمل أفضل؟ فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " مالك لا تفقه ! حسن الخلق هو أن لا تغضب إن استطعت " وهذا مرسل .  وروى الإمام أحمد عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: قلت: يا رسول الله أوصني، قال: لا تغضب قال الرجل: ففكرت حين قال النبي صلى الله عليه وسلم ما قال، فإذا الغضب يجمع الشر كله ورواه مالك في " الموطأ " عن حميد مرسلا..

ثم إن كثرة ذكر الله عز وجل ولزوم قراءة القرآن قال تعالى: "الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ"(الرعد 28) و قال تعالى: ("إنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ"(الأعراف 201) إنهما يبعدان المسلم عن هذه الحال النفسية العويصة، ويحولان بينه وبين كل معطياتها، بل إن الغضب يصبح فيه ساكتا سكوته عن موسى عليه السلام ومن المحال أن يتسلط عليه إلى الدرجة التي تجعله في حالة (هستيرية) وهو مطمئن القلب ودائما وأبدا يطلب من الله تعالى أن يباعده من غضبه سبحانه، ولكي يبعده ربه عن غضبه عز وجل وجب العمل على اجتناب كل دواعيه ومسالكه.. ومن أهم مسالكه أن يصبح الغضب سلوكا ملازما له.. روى الإمام أحمد من حديث عبد الله بن عمرو أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم : ماذا يباعدني من غضب الله عز وجل ؟ قال: لا تغضب.

الثاني: إذا قدر ووقع تماس بين المرء ومثيرات الغضب فعليه أن لا يعمل بمقتضى ذلك الغضب إذا حصل، أي عليه أن  يجاهد نفسه على ترك تنفيذه والعمل بما يأمر به، فإن الغضب إذا ملك ابن آدم واستولى عليه كانت له سلطة الآمر والناهي والمحرك الأساس لانفعالات الجهاز العصبي بشكل سلبي، ولهذا المعنى قال الله عز وجل "ولما سكت عن موسى الغضب" (الأعراف:154) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا غضب أحدكم فليسكت" رواه الإمام أحمد وفي صحيح الجامع للألباني..

فإذا لم يمتثل الإنسان ما يأمره به غضبه، وجاهد نفسه على ذلك، اندفع عنه شر الغضب، وربما سكن غضبه وذهب عنه جملة، كأنه لم يغضب، وإلى هذا المعنى أشار القرآن بقوله عز وجل "وإذا ما غضبوا هم يغفرون" (الشورى 37)وبقوله عز وجل: "والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين" (آل عمران 134)

ثالثا: كثرة الاستعاذة بالله العلي العظيم من الشيطان الرجيم لكونه المساهم الأساس والمستفيد الأول من هذا الداء داء الغضب، فهو ينتظر الشرارة الأولى من الإنسان ثم هو يذكيها إذكاء وينفخ فيها وينزغ عليه اللعنة الدائمة.. ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم من حديث حسنه بن حجر وضعفه الألباني.: "إن الغضب من الشيطان..." قال تعالى: "وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ"(الأعراف 200) وفي الصحيح عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ قَالَ :(اسْتَبَّ رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ عِنْدَهُ جُلُوسٌ وَأَحَدُهُمَا يَسُبُّ صَاحِبَهُ مُغْضَبًا قَدْ احْمَرَّ وَجْهُهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ لَوْ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ فَقَالُوا لِلرَّجُلِ أَلَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنِّي لَسْتُ بِمَجْنُونٍ). رواه البخاري.

رابعا: تغيير الهيئة التي يكون عليها الغضبان كي يتمكن من تغيير هيجان الدم في العروق ووضع الجهاز العصبي في حال غير التي كان عليها عند الغضب روى الإمام أحمد وأبو داود وصححه الألباني في المشكاة عن أبي ذر رضي الله عنه قال:إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: "إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع" وقال عليه الصلاة والسلام: "إياكم والغضب فإنه جمرة تتوقد في فؤاد ابن آدم ، ألم تر إلى أحدكم إذا غضب كيف تحمر عيناه وتنتفخ أوداجه ، فإذا أحس أحدكم بشيء من ذلك فليضجع أو ليلصق بالأرض"

خامسا: يستحب أن يتوضأ المرؤ إذا أحس بلمزات الغضب تقتحم عليه نفسه لخبر عطية عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من النار وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ } رواه أبو داود وأحمد بإسناد ضعيف..

وأخيرا من أراد أن يفصل بينه وبين الغضب فعليه بما سبق ذكره في الأول من ذكر لله تعالى وقراءة لكتابه المبين وإلزام نفسه بذلك مع تربيتها على الحلم فهو من أهم وسائل العلاج، ولقد أمر المولى جل وعلا به، فقال سبحانه: "خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين"(الأعراف 199) ووصف به عباده فقال: "وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا"(الفرقان 63)، وقال: "وإذا ما غضبوا هم يغفرون"(الشورى 37) وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا تغضب..." الذي رواه البخاري..

حرر الجواب -بفضل الله- بعد عشاء يومه الثلاثاء 1 شعبان 1436هـ / 19 مايو 2015م


"PDF" تحميل ملف 

0 تعاليق:

إرسال تعليق